كملة رئيس التحرير
"لم يسبق لي أن رأيتُ صورًا مرعبة كصور الفقر في ماتيرا: الأطفال بعضهم عراة وبعضهم يبيع السجائر في الشوارع، والناس في خرق بالية وهيئة جسمانية بشعة اجتاحها المرض". هذه كلمات الطبيب والكاتب الإيطالي "كارلو ليفي" في كتابه "المسيح توقف عند إيبولي"، حيث يسرد ما رأى في مدينة "ماتيرا" بجنوب إيطاليا يومَ كان منفيًا هناك بين عامي 1935 و1936.
ألقت كتاباته الضوء على المحن الإنسانية التي كان يعيشها الجنوب الإيطالي، على خلاف ما تَمتعَ به الشمالُ من ثراء. بعد الحرب العالمية الثانية، ذاع صيت ماتيرا بما تعيشه من مِحَن حتى باتت تُوصَم بِـ"عار إيطاليا". على أنها تتميز بمساكنها الكهفية التي تعود إلى أكثر من 9000 سنة، والتي جذبت اهتمام الصحافة العالمية. ولعل أبرز من وثّق للحياة اليومية هناك، الفنان والمصور الشهير "هنري كارتييه بريسون".
في خمسينيات القرن الماضي، تم نقل سكان ماتيرا الـ16 ألفًا إلى وحدات سكنية على الأراضي التي تعلوها؛ فتركوها خاوية على عروشها فأضحت مدينة أشباح ومرتعًا لتجار المخدرات. هنالك اقتُرح تفجيرها بالديناميت، فيما واجه سكانها السابقون صعوبة في التأقلم مع مساكنهم الحديثة. إلا أنها بدأت تنتعش في الثمانينيات بفضل المحفزات الحكومية للشركات السياحية والمتاجر من جميع أنحاء إيطاليا. وفي عام 1993، تم إدراج كهوف ماتيرا ضمن قائمة "اليونسكو" لمواقع التراث العالمي؛ وحين زرتها في عام 2019 كانت مَعلمًا سياحيًا فريدًا، بل اختيرت في العام نفسه عاصمة للثقافة الأوروبية.
ليست ماتيرا وحدها التي واجهت التحديات. إذْ نقدم لكم في هذا العدد قصصًا متنوعة وتحديات شتى لسكان الكهوف حول العالم. فقد تعود الروح مجددًا إلى هذه البيوت الحجرية، بوصفها معالم ثقافية وفرصًا اقتصادية واعدة؛ لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل هذه النظرة "البراغماتية" إلى البيوت الكهفية ستفضي إلى محو أسلوب حياة سكانها ومعارفهم التقليدية إلى الأبد؟
أرجو لكم قراءة مستنيرة!
تقرأ في هذا العدد: